فصل: قال بيان الحق الغزنوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفراء:

سورة العنكبوت:
{أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ}.
قوله: {الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا}.
{يُتركوا} يقع فيهَا لام الخفض، فإذا نزعتها منها كانت مَنْصوبةً. وقلّما يقولون: تركتك أن تذهب، إنما يقولونَ: تركتكَ تذهب. ولكنها جُعلت مكتفِية بوقوعِهَا عَلى الناس وحدهم. وإن جعلتَ {حَسب} مَكرورة عليها كان صَوَابًا؛ كأنّ المعْنى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا} أحسِبُوا {أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ}.
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}.
وقوله: {اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ}.
هو أمر فيه تأويل جزاءٍ، كما أن قوله: {ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ} نَهْى فيه تأويل الجزاء. وهو كثير في كلام العرب.
قال الشاعر:
فقلتُ ادعِى وأَدْعُ فإنَّ أندى ** لصَوتٍ أن يُنَادىَ داعيانِ

إراد: ادعِى ولأَدْعُ فإِن أندى. فكأنه قال: إن دعوتِ دعوتُ.
{وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ}.
وقوله: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ}.
يَعْنى أوزارهم {وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ} يقول: أوزار مَنْ أضَلّوا.
{إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}.
وقوله: {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا}.
{إنَّما} في هذا الموضع حرفٌ واحدٌ، وليست على معنى {الذى} {وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا} مردودة عَلى {إنّما} كقولك: إنما تفعلونَ كذا، وإنما تفعلون كذا. وقد اجتمعُوا على تخفيف {تَخْلُقُونَ} إلاّ أبا عبدالرحمن السُلَمِىّ فإنه قرأ: {وتَخَلّقُون إفْكا} ينصِب التاء ويُشدّد اللام وَهمَا في المعْنى سَواء.
{قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِىءُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
وقوله: {النَّشْأَةَ}.
القراء مجتمعُونَ عَلى جزم الشين وقَصْرها، إلا الحسن البصرىّ فإنه مدّها في كل القرآن فقال: {النشَاءَة} ومثلها مما تقوله العرب الرأْفة، والرآفة، والكَأْبة والكآبة كلّ صواب.
{وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ}.
وقوله: {وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ}.
يقول: القائل: وكيف وصفهم أَنهم لا يُعجزون في الأرض ولا في السماء، وليسُوا من أهْل السَّماء؟ فالمعنى- والله أعلم- ما أنتم بمعجزينَ في الأرض ولا مَن في السَّمَاء بمعجزٍ. وهو من غامِضِ العربيّه للضمير الذي لم يظهر في الثانى.
ومثله قول حَسَّان:
أمَن يهجو رسولَ الله منكم ** ويمدحُهُ وينصرهُ سَوَاءٌ

أراد: ومن ينصره ويمدحه فأضمر {مَنْ} وقد يقع في وَهْم السَّامِع أن المدح والنصر لَمْن هذه الظاهرة. ومثله في الكلام: أكرِم مَن أتاكَ وأتى أباكَ، وأكرم مَن أتاك ولم يأت زيدًا، تريد: ومَن لم يأتِ زيدا.
{وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ}.
وقوله: {وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ}.
نصبها حَمزة وأضافَها؛ ونصبهَا عاصم وأهل المدينة، ونوَّنوا فيهَا {أَوْثَانًا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ} ورُفعَ ناسٌ منهم الكسائىّ بإضافة. وقرأ الحسَن {مَوَدّةٌ بَيْنَكُمْ} يَرفع ولا يضيف. وهي في قرءاة أُبَي {إنَّما مَوَدَّةُ بَيْنهِمْ في الحياة الدُّنْيَا} وفي قراءة عَبْدِالله {إنَّما مَوَدَّةُ بَيْنِكم} وهما شاهدان لمنْ رَفع. فمَن رفعَ فإنما يرفع بالصفة بقوله: {فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} وينقطع الكلام عند قوله: {إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا} ثم قال: ليست مودّتكم تلك الأوثان ولا عبادتكم إيَّاها بشىء، إنَّما مودّة ما بينكم في الحياة الدنيا ثم تنقطع. ومَن نصب أوْقع عَليهَا الاتّخاذ: إنما اتّخذتموهَا مَوَدّةً بينكم في الحياة الدنيا. وقد تكون رفعًا على أَن تجعَلها خبرًا لِمَا وتجعَل {ما} على جهة {الذى} كأنك قلت: إِن الذينَ اتخذتموهم أوثانًا مودَّةُ بينكم فتكون المودَّة كالخبر، ويكون رفعهَا على ضمير {هىَ} كقوله: {لَمْ يَلْبَثُوا إلاَّ سَاعةً مِنْ نَهَارٍ} ثم قال: {بَلاَغٌ} أي هذا بلاغ، ذلك بلاغ. ومثله {إنَّ الذينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ} ثم قال: {مَتَاعٌ في الدنيا} أي ذلك متاع في الحياة الدنيا وقوله: {يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ} يتبرّأ بعضكم من بعضٍ والعابد والمعبود في النار.
{فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.
وقوله: {إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي}.
هذا من قِيل إبراهيم. وكان مهاجَره من حَرَّان إلى فِلسطين.
{وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ}.
وقوله: {وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا}.
الثناءَ الحسن وأن أهل الأديان كلّهم يتولَّونه. ومِنْ أجره أن جُعلت النبوَّة والكتاب في ذُرّيته.
{أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}.
وقوله: {وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ}.
قَطْعه: أنهم كانوا يعترضُونَ الناسَ منَ الطُرُق بعملهم الخبيث، يعني اللوَاطَ. ويقال: وتقطُعونَ السَّبِيلَ: تقطُعونَ سَبِيلَ الوَلَد بتعطيلكم النساء وقوله: {وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} في مجالسكم. والمنكر منه الخَذْف، والصفير، ومَضْغ العِلْك، وحَلّ أزرار الأقبية والقُمُصِ، والرمى بالبُنْدُق. ويقال: هي ثمانىَ عشرة خَصْلةً من قول الكلبىّ لا أحفظها. وقال غيره: هي عشرٌ.
{وَعَادًا وَثَمُودَا وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ}.
وقوله: {وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ}.
فى دينهم. يقول: ذوُو بصَائر.
{مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}.
وقوله: {كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا}.
ضربه مثلًا لمن اتّخذ من دون الله وليًّا أنه لا ينفعه ولا يضرّه، كما أن بيت العنكبوت لا يقيها حرًّا ولا بَرْدًا. والعنكبوت أنثى. وقد يُذكِّرهَا بعض العرب. قال الشاعر:
على هَطّالهم منهم بيوتٌ ** كأنَّ العنكبوت هو ابتناهَا

{اتْلُ مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}.
وقوله: {إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ}.
يقول: ولذكر الله إيّاكم بالثواب خير من ذكركم إيّاه إذا انتهيتم. ويكون: إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر وأحَقّ أن يَنْهَى.
{وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هؤلاء مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ الْكَافِرونَ}.
وقوله: {فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ}.
بمحمَّدٍ صَلى الله عيله وسلم. ويقال: إنه عبْدالله بن سَلاَم {وَمِنْ هؤلاء مَن يُؤْمِنُ بِهِ} يعني الذين آمنو من أهل مَكَّة.
{وَمَا كُنتَ تَتْلُوا مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لاَّرْتَابَ الْمُبْطِلُونَ}.
وقوله: {وَمَا كُنتَ تَتْلُوا مِن قَبْلِهِ}.
من قَبْل القرآن {مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} ولوكنت كذلكَ {لاَّرْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} يعني النصارى الذينَ وجَدُوا صفته ويكون {لاَّرْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} أي لكَانَ أشدّ لِريبة مَنْ كذَّب من أهل مكَّة وغيرهم.
{بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ الظَّالِمُونَ}.
وقوله: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ}.
يريد القرآن وفي قراءة عبدالله {بل هي آياتٌ} يريد: بل آيات القرآن آيات بَيِّنات: ومثله {هَذَا بَصَائر لِلنَّاسِ} ولو كانت هذه بصَائر للناس كان صَوَابًا. ومثله {هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّى} لو كان: هذه رحمة لجاز.
{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى لَّجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ}.
وقوله: {وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى}.
يقول: لولاَ أن الله جَعَلَ عذاب هذه الأمّة مؤخّرًا إلى يوم القيامة- وهو الأجل- لجاءهم العذاب. ثم قال: {وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً} يعني القيَامة فذكَّر لأنه يريدُ عذابَ القيَامة. وإن شئت ذكّرته على تذكير الأجَل. ولو كانت {وَلَتَأْتِيَنَّهُمْ} كان صَوَابًا يريد القيامة والسَّاعة.
{يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيِقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.
وقوله: {وَيِقُولُ ذُوقُوا} وهى في قراءة عبدالله {ويقال ذوقوا} وقد قرأ بعضهم {وَنَقُولُ} بالنون وكلّ صَواب.
{ياعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ}.
وقوله: {ياعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ}.
هذا لِمُسلمة أهل مَكَّة الذينَ كانوا مقيمينَ مع المشركينَ. يقول: {إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ} يعني المدينة أي فلا تُجاوروا أهْل الكفر.
{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}.
وقوله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ}.
قرأهَا العوام {لَنُبَوِّئَنَّهُمْ} وحدَّثنى قيس عن أبى إسْحَاق أن ابن مسعود قرأها {لنُثْوِيَنَّهُمْ} وقرأها كذلك يحيى بن وثَّاب وكلُّ حسن بَوَّأته منزلًا وأثويته منزلًا.
{وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.
وقولوا: {وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ}.
نزلت في مؤمنى أهلِ مكَّة، لمّا أُمروا بالتحوّل عنها والخروجِ إلى المدينة قالوا: يا رسول الله ليسَ لنا بالمدينة منازل ولا أموال فمِنْ أين المعَاش؟ فأنزل اللهُ {وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا} لا تدّخر رزقها ولا تجمعه، أي كذلكَ جميع هوامّ الأرض كلّهَا إلاّ النملة فإنها تدَّخر رزقها لسَنَتها.
{وَمَا هَاذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَآ إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}.
وقوله: {وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ}.
حياة لا موت فيها.
{فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ}.
وقوله: {إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ}.
يقول: يُخلصونَ الدعاء والتوحِيد إلى الله في البحر، فإذا نجَّاهم صاروا إِلى عبادة الأوثان.
{لِيَكْفُرُوا بِمَآ آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعلَمُونَ}.
وقوله: {وَلِيَتَمَتَّعُوا}.
قرأها عاصم والأعمش على جهة الأمر والتوبيخ بجزم اللام وقرأها أهل الحجاز {وَلِيَتَمَتَّعوا} مكسُورة على جهة كى. اهـ.

.قال بيان الحق الغزنوي:

سورة العنكبوت:
{الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا ءامنا وهم لا يفتنون} (1، 2) أي: بالأوامر والنواهي. وقيل: في أموالهم وأنفسهم. و{أن} الأولى في موضع النصب، لوقوع الحسبان عليه. والثانية: في محل الخفض، أي: لأن يقولوا.
{فليعلمن الله} (3) فليظهرن الله لرسوله. وقيل: فليميزن الله. وقيل: يعلمه كائنًا واقعًا.
وقيل: يعلمه كائنًا غير واقع.
{أن يسبقونا} (4) أن يفوتونا.
{جعل فتنة الناس كعذاب الله} (10) في قوم من مكة أسلموا، فلما فتنوا وأوذوا ارتدوا.